الحلقة الثانية من خمسة سياحة داخل الجامع الاموى بدمشق
مخطط الجامع
يتألف بناء الجامع من مستطيل طوله (156م) وعرضه (97م)، يحتل جانبه الشمالي صحن مكشوف تحيط به أروقة مسقوفة، ويحتل قسمه الجنوبي الحرم أوالمصلى. وللجامع ثلاثة أبواب رئيسة تفضي إلى الصحن، تصله بجهات المدينة الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وهناك باب رابع في الحرم يقع بالجانب الغربي منه يصله بالجهة الجنوبية من المدينة.
أقسام الجامع وعناصره المعمارية
1- السور والأبواب: سور الجامع مبني بالحجارة الكلسية، ومزوّد بدعائم جدارية، وهو من العهد الروماني، إلا أنَّ أكثر أقسامه جددت في العهود العربية، وكان يحتل زوايا السور الأربع أبراج مربعة الشكل استخدمت بعد الفتح منابر للآذان بقي منها إلى اليوم البرجان الجنوبيان وعليهما أقيمت المئذنتان الشرقية والغربية.
الباب الشرقي للجامع محافظ على وضعه الأصلي الأموي، وكان يدعى باب (جيرون) واسمه اليوم باب (النوفرة)، يتألف من باب في الوسط ذي قنطرة عالية وبابين صغيرين على جانبيه، ويقابله الباب الغربي ويدعى باب (البريد)، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، ويلي البابين الشرقي والغربي دهليز فخم يتصل بالأروقة المحيطة بالصحن، وبالمشاهد القائمة على جانبيه، أما الباب الشمالي فمؤلف من فتحة واحدة فقط، وهو مجدد في العهود العربية اللاحقة وكان يدعى باب (الفراديس)، ويعرف اليوم بباب (العمارة).
أما الباب المفتوح في الحرم «باب الزيادة» أُحِدث في السور عند بناء الجامع، ويتألف من فتحة واحدة واسعة. أما الباب الأساسي الكائن عند منتصف الجدار الجنوبي فقد استخدمت إحدى فتحاته كباب لدخول الخلفاء إلى الجامع، والعودة منه إلى قصر الخلافة. .
2- الصحن والأروقة: الصحن مستطيل، يتخلله ثلاثة مبان صغيرة، تتوسطه البحرة، ويوجد فوقها قبة تقوم على أقواس وأعمدة، وفي الجهة الغربية قبة الخزنة، وهي بناء مضلع قائم على ثمانية أعمدة كورانتية الطراز، جميلة التيجان أما في الجهة الشرقية فتوجد قبة أخرى على ثمانية أعمدة تدعى قبة زين العابدين، ثم أحيطت الأعمدة في العهد العثماني بجدار، وتحوّلت إلى غرفة وعُرِفت بقبة الساعات.
وفي وسط الصحن يوجد عمودان من الحجر يحملان رأسين مزخرفين من النحاس، كانا يستعملان للإسراج وإنارة الصحن. ويحيط بالصحن رواق مسقوف محمول على عضائد وأعمدة تتناوب كل عضادة مع عمودين.
3- الحرم: يتألف الحرم من ثلاثة أروقة موازية للقبلة، يمتد بينهما صفان من الأعمدة تحمل قناطر كبيرة نصف دائرية فوقها عدد مضاعف من القناطر الصغيرة، كما هو الحال في الأروقة المحيطة بالصحن.
ويقطع هذه الأروقة من وسطها رواق أوسع وأكثر ارتفاعاً يسمى «المجاز القاطع»، ويتوسط المجاز هذا قبة عالية ترتفع قرابة (36م) محمولة على أربع عضائد ضخمة فوقها قبة مثمّنة، مزوّدة بالنوافذ، وتعرف بـ(قبة النسر)، ولعلهم حين أقاموا هذه القبة استوحوا فكرة وجود عرش الرحمن في قبة السماء.
والقول الآخر يزعم أن الوليد تمثّل شكل نسر باسط جناحيه، فالقبة مثّلت رأس النسر، وطرفي الحرم مثلا الجناحين. وربما يكون هذا التشبيه دليلاً على قوة وعظمة الدولة الأموية، فرأس النسر يمثل العاصمة دمشق وجناحاه يمثلان امتداد الدولة من الشرق في الصين إلى الغرب في الأندلس.
يغطي الحرم سقوف سنامية الشكل (جملونات) صنعت من الخشب وصفّحت من الخارج بالرصاص، وهي ثلاثة سقوف ممتدة من الشرق إلى الغرب يقطعها في وسطها سقف المجاز المرتفع، وهذه السقوف مبطنة بسقوف مستوية من الخشب المزخرف.
4- نوافذ الحرم: يستمد الحرم نوره من نوافذ مفتوحة في جداريه الكبيرين الشمالي والجنوبي، وهي شبيهة بالقناطر العليا الموجودة في سائر الأروقة من حيث الشكل والمقياس، ففي الجدار الشمالي أربع وأربعون نافذة، ومثلها في الجدار الجنوبي. هذه النوافذ مزودة بشمسيات من الجص المعشّق بالزجاج الملوّن، مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية مخرّمة.
وهناك نوع آخر من النوافذ لاتزال ست منها باقية في المشهد الشمالي الغربي (قاعة الاستقبال حالياً)، وتعتبر من النموذج الأموي كسائر نوافذ الجامع، تتألف من شبك من الرخام الأبيض منقوش بزخارف ورسوم هندسية تتنوّع في كل نافذة فهي من أكثر عناصر الجامع أصالة وروعة من الناحية الفنية.
5- المآذن: لم يبق من المعبد القديم سوى البرجين الجنوبيين، وحين تمَّ تشييد الجامع تحوّلا إلى مئذنتين، ثم شيّدت مئذنة ثالثة إلى جانب الباب الشمالي على هيئة برج مربّع عرفت فيما بعد بمئذنة (العروس)، ولا يزال القسم السفلي من هذه المئذنة أصيلاً رغم الكوارث الطبيعية والحرائق التي تعرض لها الجامع.
وشيّدت المئذنة الشرقية التي تسمى مئذنة (عيسى) فوق البرج القديم، وتشير المصادر التاريخية في أكثر من مكان، بأنه يوم البعث سوف ينزل عليها النبي عيسى عليه السلام. أما المئذنة الغربية فقد شيدت فوق البرج القديم المربع، وتدل الكتابات المنقوشة عليها بأنها جددت في عهد السلطان المملوكي « قايتباي»، ومن هنا جاءت تسميتها بمئذنة (قايتباي).
6- المشـاهد: هناك أربع قاعات كبيرة مستطيلة موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي، أطلق عليها قديماً اسم المشاهد، ونسب كل منها إلى واحد من الخلفاء الراشدين، المشهد الجنوبي الشرقي يدعى مشهد أبي بكر، والجنوبي الغربي مشهد عمر، والشمالي الغربي مشهد عثمان، وأخيراً مشهد علي الذي دُعي فيما بعد بمشهد الحسين، وخلال العهود التاريخية تغيّرت أسماء هذه المشاهد، واستخدمت في أغراض متعددة كالتدريس، والصلاة، والاجتماعات، وخزائن الكتب والمستودعات.
7- الزخارف والنقوش: الزخارف الأموية التي تزين الجامع تتألف من عنصرين رئيسين هما الفسيفساء والرخام وكانت الفسيفساء تغطي الأقسام العليا من الجدران، في الداخل والخارج، في الحرم والأروقة، وكذلك القناطر وباطن العقود. وكان هذا الرخام من النوع المجذّع أي يشبه الخطوط الموجودة في جذوع الشجر ويحتفظ دهليز باب جيرون بنموذج للرخام المجذّع الأصيل، وهذا الرخام مماثل لرخام جامع قبة الصخرة في القدس، ومسجد آيا صوفيا في تركيا.
الأصالة والخصائص الفنية
ينتسب الجامع الأموي إلى الفنون المعمارية الشامية التي ازدهرت على يد الأمويين الذين تمَّ في عهدهم إنشاء العديد من الأعمال العمرانية من مدن ومساجد وقصور، وقد ذكر المؤرخون أن الوليد أنفق في بناء الجامع خمسة ملايين وستمئة ألف دينار. وضمَّ الجامع الكثير من النفائس منها مصحف عثمان الذي كان له خزانة خاصة به إلى جانب المحراب وظلّ حتى الحريق الأخير.
كما زود الجامع في كل العهود بساعات اختلفت ألوانها وأشكالها وفنونها باختلاف العصر، و تمَّ العثور على الساعة الفلكية المعقدة التي تسمى (البسيط) تحت بلاط الصحن، وكان قد صنعها العالم الفلكي (ابن الشاطر الدمشقي) في القرن الثامن الهجري.
وللجامع أوقاف تجمّعت خلال العصور جعلته من أغنى مساجد العالم، وكانت مواردها تصرف في سُبلٍ شتى، منها رواتب العلماء والمدرسين والمؤذنين والخدم وطلاب العلم، ومنها ما يصرف للفقراء.
لم تكن وظيفة الجامع في العهود الماضية تقتصر على شؤون العبادة فقد حفل بالنشاطات السياسية والاجتماعية، وكان مركزاً للإشعاع الثقافي والعلمي فقد أنشئت حوله عشرات المدارس والمكتبات حتى أصبح يؤلف معها وقتئذ مدينة جامعية حقيقية، وتضم بعض هذه المدارس أضرحة لقادة وملوك فاتحين(صلاح الدين الأيوبي وأخيه الملك العادل والظاهر بيبرس).
فضلاً عن المدارس ودور العلم فقد كانت تتجمّع حول الجامع وعند أبوابه كل النشاطات الاجتماعية والسياسية، وهنا يأتي دور الجامع الأساسي في تداول أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية في فترات زمنية كثيرة حيث كان يلتقي الخليفة بالشعب،وكذلك لقاء الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم.
الأموي عبر التاريخ
ذكر ابن عساكر مؤرخ مدينة دمشق أن الوليد بعد الانتهاء من بناء الجامع، وكان على المنبر يخطب الجمعة دخل عليه موسى بن نصير وبرفقته موكب كبير جداً يتألف من ثلاثين أميراً من أمراء الأندلس والشمال الإفريقي، حيث زُفَّ إليه خبر فتح الأندلس، فاحتفل بالقائد المظفّر موسى وافتتاح المسجد.
ظلَّ المسجد مركزاً للحياة السياسية والثقافية والدينية لأبناء مدينة دمشق لفترات زمنية طويلة، فلم يكن مجرد مكان ديني للعبادة، بل كان له صفة سياسية وتعليمية واجتماعية.
تعرّض المسجد خلال تاريخه الطويل إلى كوارث الطبيعة كالزلازل من جهة والحرائق المتكررة التي لحقت به من جهة أخرى جراء الغزوات المتتابعة على مدينة دمشق، فكان الحريق الأول أيام الفاطميين سنة461هـ -1068م، حيث رميت المدينة بالنيران فاحترقت أجزاء منها، ولحق بالمسجد الكثير من الأضرار من جراء هذا الحريق حيث دمرت الزخارف وبعض لوحاته الفسيفسائية، وبعد هذا الحادث جرت محاولات كثيرة لإعادة ترميمه، ولكنها لم تكن تأخذ الطابع العلمي لذلك باءت جميعها بالفشل.
أما الحريق الثاني الذي تعرّض له فكان أثناء ولاية تكنز على دمشق740هـ-1339م، وتعرضت المئذنة الشرقية لحريق عام794هـ.
وفي العام 884هـ-1479م احترق المسجد، ويقال بأن سبب الحريق قد أتى من الأسواق المحيطة بالجامع، أما الحريق الأخير الذي تعرض له فكان في العصر العثماني 1311هـ-1893م، وبهذا الحريق يعتقد المؤرخون أنه قد احترق مصحف عثمان.
جرت بعد هذا الحريق عملية ترميم لم تمسّ أصالة الجامع، ولم تغير تخطيطه العام، أما العناصر الزخرفية فقد طرأ عليها تعديل طفيف، ولكنها بقيت ضمن الخط الهندسي الأساسي، ونهض أهل دمشق لإنقاذه، فجمعوا التبرعات، وتطوّع العمال وأهل المهن للمشاركة في إعادة بناء الجامع، وتمَّ هذا الترميم خلال تسع سنين.
ومنذ ذلك التاريخ لم يلق هذا الصرح المعماري العناية والاهتمام إلى أن أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد المرسوم الجمهوري رقم (36) تاريخ/6-10-1991 لإعادة ترميمه، وإبراز دوره الحضاري والإنساني والثقافي حتى غدا قبلة السيّاح والمهتمين بفنون العمارة الإسلامية من كل أنحاء العالم.
مخطط الجامع
يتألف بناء الجامع من مستطيل طوله (156م) وعرضه (97م)، يحتل جانبه الشمالي صحن مكشوف تحيط به أروقة مسقوفة، ويحتل قسمه الجنوبي الحرم أوالمصلى. وللجامع ثلاثة أبواب رئيسة تفضي إلى الصحن، تصله بجهات المدينة الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وهناك باب رابع في الحرم يقع بالجانب الغربي منه يصله بالجهة الجنوبية من المدينة.
أقسام الجامع وعناصره المعمارية
1- السور والأبواب: سور الجامع مبني بالحجارة الكلسية، ومزوّد بدعائم جدارية، وهو من العهد الروماني، إلا أنَّ أكثر أقسامه جددت في العهود العربية، وكان يحتل زوايا السور الأربع أبراج مربعة الشكل استخدمت بعد الفتح منابر للآذان بقي منها إلى اليوم البرجان الجنوبيان وعليهما أقيمت المئذنتان الشرقية والغربية.
الباب الشرقي للجامع محافظ على وضعه الأصلي الأموي، وكان يدعى باب (جيرون) واسمه اليوم باب (النوفرة)، يتألف من باب في الوسط ذي قنطرة عالية وبابين صغيرين على جانبيه، ويقابله الباب الغربي ويدعى باب (البريد)، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، ويلي البابين الشرقي والغربي دهليز فخم يتصل بالأروقة المحيطة بالصحن، وبالمشاهد القائمة على جانبيه، أما الباب الشمالي فمؤلف من فتحة واحدة فقط، وهو مجدد في العهود العربية اللاحقة وكان يدعى باب (الفراديس)، ويعرف اليوم بباب (العمارة).
أما الباب المفتوح في الحرم «باب الزيادة» أُحِدث في السور عند بناء الجامع، ويتألف من فتحة واحدة واسعة. أما الباب الأساسي الكائن عند منتصف الجدار الجنوبي فقد استخدمت إحدى فتحاته كباب لدخول الخلفاء إلى الجامع، والعودة منه إلى قصر الخلافة. .
2- الصحن والأروقة: الصحن مستطيل، يتخلله ثلاثة مبان صغيرة، تتوسطه البحرة، ويوجد فوقها قبة تقوم على أقواس وأعمدة، وفي الجهة الغربية قبة الخزنة، وهي بناء مضلع قائم على ثمانية أعمدة كورانتية الطراز، جميلة التيجان أما في الجهة الشرقية فتوجد قبة أخرى على ثمانية أعمدة تدعى قبة زين العابدين، ثم أحيطت الأعمدة في العهد العثماني بجدار، وتحوّلت إلى غرفة وعُرِفت بقبة الساعات.
وفي وسط الصحن يوجد عمودان من الحجر يحملان رأسين مزخرفين من النحاس، كانا يستعملان للإسراج وإنارة الصحن. ويحيط بالصحن رواق مسقوف محمول على عضائد وأعمدة تتناوب كل عضادة مع عمودين.
3- الحرم: يتألف الحرم من ثلاثة أروقة موازية للقبلة، يمتد بينهما صفان من الأعمدة تحمل قناطر كبيرة نصف دائرية فوقها عدد مضاعف من القناطر الصغيرة، كما هو الحال في الأروقة المحيطة بالصحن.
ويقطع هذه الأروقة من وسطها رواق أوسع وأكثر ارتفاعاً يسمى «المجاز القاطع»، ويتوسط المجاز هذا قبة عالية ترتفع قرابة (36م) محمولة على أربع عضائد ضخمة فوقها قبة مثمّنة، مزوّدة بالنوافذ، وتعرف بـ(قبة النسر)، ولعلهم حين أقاموا هذه القبة استوحوا فكرة وجود عرش الرحمن في قبة السماء.
والقول الآخر يزعم أن الوليد تمثّل شكل نسر باسط جناحيه، فالقبة مثّلت رأس النسر، وطرفي الحرم مثلا الجناحين. وربما يكون هذا التشبيه دليلاً على قوة وعظمة الدولة الأموية، فرأس النسر يمثل العاصمة دمشق وجناحاه يمثلان امتداد الدولة من الشرق في الصين إلى الغرب في الأندلس.
يغطي الحرم سقوف سنامية الشكل (جملونات) صنعت من الخشب وصفّحت من الخارج بالرصاص، وهي ثلاثة سقوف ممتدة من الشرق إلى الغرب يقطعها في وسطها سقف المجاز المرتفع، وهذه السقوف مبطنة بسقوف مستوية من الخشب المزخرف.
4- نوافذ الحرم: يستمد الحرم نوره من نوافذ مفتوحة في جداريه الكبيرين الشمالي والجنوبي، وهي شبيهة بالقناطر العليا الموجودة في سائر الأروقة من حيث الشكل والمقياس، ففي الجدار الشمالي أربع وأربعون نافذة، ومثلها في الجدار الجنوبي. هذه النوافذ مزودة بشمسيات من الجص المعشّق بالزجاج الملوّن، مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية مخرّمة.
وهناك نوع آخر من النوافذ لاتزال ست منها باقية في المشهد الشمالي الغربي (قاعة الاستقبال حالياً)، وتعتبر من النموذج الأموي كسائر نوافذ الجامع، تتألف من شبك من الرخام الأبيض منقوش بزخارف ورسوم هندسية تتنوّع في كل نافذة فهي من أكثر عناصر الجامع أصالة وروعة من الناحية الفنية.
5- المآذن: لم يبق من المعبد القديم سوى البرجين الجنوبيين، وحين تمَّ تشييد الجامع تحوّلا إلى مئذنتين، ثم شيّدت مئذنة ثالثة إلى جانب الباب الشمالي على هيئة برج مربّع عرفت فيما بعد بمئذنة (العروس)، ولا يزال القسم السفلي من هذه المئذنة أصيلاً رغم الكوارث الطبيعية والحرائق التي تعرض لها الجامع.
وشيّدت المئذنة الشرقية التي تسمى مئذنة (عيسى) فوق البرج القديم، وتشير المصادر التاريخية في أكثر من مكان، بأنه يوم البعث سوف ينزل عليها النبي عيسى عليه السلام. أما المئذنة الغربية فقد شيدت فوق البرج القديم المربع، وتدل الكتابات المنقوشة عليها بأنها جددت في عهد السلطان المملوكي « قايتباي»، ومن هنا جاءت تسميتها بمئذنة (قايتباي).
6- المشـاهد: هناك أربع قاعات كبيرة مستطيلة موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي، أطلق عليها قديماً اسم المشاهد، ونسب كل منها إلى واحد من الخلفاء الراشدين، المشهد الجنوبي الشرقي يدعى مشهد أبي بكر، والجنوبي الغربي مشهد عمر، والشمالي الغربي مشهد عثمان، وأخيراً مشهد علي الذي دُعي فيما بعد بمشهد الحسين، وخلال العهود التاريخية تغيّرت أسماء هذه المشاهد، واستخدمت في أغراض متعددة كالتدريس، والصلاة، والاجتماعات، وخزائن الكتب والمستودعات.
7- الزخارف والنقوش: الزخارف الأموية التي تزين الجامع تتألف من عنصرين رئيسين هما الفسيفساء والرخام وكانت الفسيفساء تغطي الأقسام العليا من الجدران، في الداخل والخارج، في الحرم والأروقة، وكذلك القناطر وباطن العقود. وكان هذا الرخام من النوع المجذّع أي يشبه الخطوط الموجودة في جذوع الشجر ويحتفظ دهليز باب جيرون بنموذج للرخام المجذّع الأصيل، وهذا الرخام مماثل لرخام جامع قبة الصخرة في القدس، ومسجد آيا صوفيا في تركيا.
الأصالة والخصائص الفنية
ينتسب الجامع الأموي إلى الفنون المعمارية الشامية التي ازدهرت على يد الأمويين الذين تمَّ في عهدهم إنشاء العديد من الأعمال العمرانية من مدن ومساجد وقصور، وقد ذكر المؤرخون أن الوليد أنفق في بناء الجامع خمسة ملايين وستمئة ألف دينار. وضمَّ الجامع الكثير من النفائس منها مصحف عثمان الذي كان له خزانة خاصة به إلى جانب المحراب وظلّ حتى الحريق الأخير.
كما زود الجامع في كل العهود بساعات اختلفت ألوانها وأشكالها وفنونها باختلاف العصر، و تمَّ العثور على الساعة الفلكية المعقدة التي تسمى (البسيط) تحت بلاط الصحن، وكان قد صنعها العالم الفلكي (ابن الشاطر الدمشقي) في القرن الثامن الهجري.
وللجامع أوقاف تجمّعت خلال العصور جعلته من أغنى مساجد العالم، وكانت مواردها تصرف في سُبلٍ شتى، منها رواتب العلماء والمدرسين والمؤذنين والخدم وطلاب العلم، ومنها ما يصرف للفقراء.
لم تكن وظيفة الجامع في العهود الماضية تقتصر على شؤون العبادة فقد حفل بالنشاطات السياسية والاجتماعية، وكان مركزاً للإشعاع الثقافي والعلمي فقد أنشئت حوله عشرات المدارس والمكتبات حتى أصبح يؤلف معها وقتئذ مدينة جامعية حقيقية، وتضم بعض هذه المدارس أضرحة لقادة وملوك فاتحين(صلاح الدين الأيوبي وأخيه الملك العادل والظاهر بيبرس).
فضلاً عن المدارس ودور العلم فقد كانت تتجمّع حول الجامع وعند أبوابه كل النشاطات الاجتماعية والسياسية، وهنا يأتي دور الجامع الأساسي في تداول أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية في فترات زمنية كثيرة حيث كان يلتقي الخليفة بالشعب،وكذلك لقاء الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم.
الأموي عبر التاريخ
ذكر ابن عساكر مؤرخ مدينة دمشق أن الوليد بعد الانتهاء من بناء الجامع، وكان على المنبر يخطب الجمعة دخل عليه موسى بن نصير وبرفقته موكب كبير جداً يتألف من ثلاثين أميراً من أمراء الأندلس والشمال الإفريقي، حيث زُفَّ إليه خبر فتح الأندلس، فاحتفل بالقائد المظفّر موسى وافتتاح المسجد.
ظلَّ المسجد مركزاً للحياة السياسية والثقافية والدينية لأبناء مدينة دمشق لفترات زمنية طويلة، فلم يكن مجرد مكان ديني للعبادة، بل كان له صفة سياسية وتعليمية واجتماعية.
تعرّض المسجد خلال تاريخه الطويل إلى كوارث الطبيعة كالزلازل من جهة والحرائق المتكررة التي لحقت به من جهة أخرى جراء الغزوات المتتابعة على مدينة دمشق، فكان الحريق الأول أيام الفاطميين سنة461هـ -1068م، حيث رميت المدينة بالنيران فاحترقت أجزاء منها، ولحق بالمسجد الكثير من الأضرار من جراء هذا الحريق حيث دمرت الزخارف وبعض لوحاته الفسيفسائية، وبعد هذا الحادث جرت محاولات كثيرة لإعادة ترميمه، ولكنها لم تكن تأخذ الطابع العلمي لذلك باءت جميعها بالفشل.
أما الحريق الثاني الذي تعرّض له فكان أثناء ولاية تكنز على دمشق740هـ-1339م، وتعرضت المئذنة الشرقية لحريق عام794هـ.
وفي العام 884هـ-1479م احترق المسجد، ويقال بأن سبب الحريق قد أتى من الأسواق المحيطة بالجامع، أما الحريق الأخير الذي تعرض له فكان في العصر العثماني 1311هـ-1893م، وبهذا الحريق يعتقد المؤرخون أنه قد احترق مصحف عثمان.
جرت بعد هذا الحريق عملية ترميم لم تمسّ أصالة الجامع، ولم تغير تخطيطه العام، أما العناصر الزخرفية فقد طرأ عليها تعديل طفيف، ولكنها بقيت ضمن الخط الهندسي الأساسي، ونهض أهل دمشق لإنقاذه، فجمعوا التبرعات، وتطوّع العمال وأهل المهن للمشاركة في إعادة بناء الجامع، وتمَّ هذا الترميم خلال تسع سنين.
ومنذ ذلك التاريخ لم يلق هذا الصرح المعماري العناية والاهتمام إلى أن أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد المرسوم الجمهوري رقم (36) تاريخ/6-10-1991 لإعادة ترميمه، وإبراز دوره الحضاري والإنساني والثقافي حتى غدا قبلة السيّاح والمهتمين بفنون العمارة الإسلامية من كل أنحاء العالم.