تاريخة
ارتبطت الحياة الأولى للإنسان بالتعبد لذلك تقدَّم المعبد في نشوئه على المدينة، وهذا ينطبق على مدينة دمشق إذ أننا لا نعرف بالتحديد متى وكيف نشأت قبل المعبد أم بعده، لكن الحقيقة التاريخية التي لا مجال للشك فيها هو أن دمشق من أقدم مدن العالم، وبالتالي فإن معبدها من أقدم المعابد في التاريخ الإنساني فقد كرس للعبادة منذ آلاف السنين، (من بداية العهد الآرامي في مطلع الألف الأول قبل الميلاد حيث نسب للإله «حدد»، وأثناء استيلاء الرومان على المنطقة صار معبداً للإله«جوبيتر») و قد احتلّ مساحة كبيرة من الأرض.
يبلغ طول سوره الخارجي (380م) وعرضه (300م)، له واجهات فخمة ومداخل عملاقة قامت على أعمدة عالية جداً لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم، وبعدها تحوّل إلى كنيسة حملت اسم «يوحنا المعمدان» أو النبي يحيى، وذلك في أواخر القرن الرابع الميلادي، وتشير المصادر بأن رأس النبي يحيى مدفون داخل حرم المسجد، ويبدو الشكل الخارجي للمعبد شكلاً مستطيلاً، وقد عرف بالمستطيل الإلهي أو المستطيل الذهبي.
حيث أُقيم على حافة ربوة، يليه وادٍ صغير، وفي أسفل هذا الوادي حفر نفق يصل إلى داخل المعبد تُنقلُ من خلاله القرابين.
فتح دمشق
فُتِحَت دمشق... واستقر فيها المسلمون منذ العام (14هـ)، واقتسموا الحياة فيها مع المسيحيين، ومع ازدياد عددهم، حيث غدت عاصمة الخلافة الإسلامية في العصر الأموي، وغدت الدولة الأموية هي الأكبر والأوسع، توفرت حاجة ملحة لأن يمتلك المسلمون مسجداً يتسع لكافة المصلين، وبالوقت نفسه يتماشى مع عظمة الدولة والفتوحات الإسلامية، وكان ذلك أيام الخليفة عبد الملك بن مروان الذي بدأت في عهده حركة عمرانية واسعة شملت ثلاثة مساجد بشكل رئيسي، هي الجامع الأموي في دمشق.
ومسجد قبة الصخرة في القدس، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، لكن الموت عاجله، فكان حظ بناء المسجد في زمن الوليد بن عبد الملك الذي مثل عصر الفتوحات، وعظمة الدولة الأموية واستقرارها.
من الصعب الحديث قبل عصر الوليد عن أعمال إنشائية في النصف الإسلامي من البناء باستثناء ما بُنيَ زمن معاوية الخليفة الأموي الأول الذي بنى داخل الحرم في القسم الإسلامي مقصورة كان يصلي فيها، وقد وُصِلت بممر خاص كان يوصله إلى
قصر الخضراء الذي يقيم فيه، ويقع بجوار المسجد.
الوليد وبناء المسجد
تمَّ تشييد الجامع وفق مخطط جديد مبتكر يتناسب مع شعائر الدين الإسلامي، وأغراض الحياة العامة، فجاء فريداً في هندسته، لم يبن على نسقه في العهود السابقة أي بناء آخر.
و بذل له الوليد الكثير من الجهد والمال كي يكون المسجد آية في الإبداع وتحفة من التحف الفنية، فأمضى في بنائه وزخرفته قرابة عشر سنين بدءاً من ذي الحجة عام (86هـ)، وهكذا ظهر جامع دمشق وقتئذ ثورة على البساطة والتقشف وانطلاقة جديدة في مضمار فنون العمارة والزخرفة الإسلامية.
وتأسست بإشادته مبادئ هندسة الجوامع الكبرى التي شيدت بعده في العالم الإسلامي، إذ ظل المعماريون عدة قرون يستوحون منه وينسجون على منواله، فاستحق بجدارة تسميته إمام الجوامع، وظلَّ قروناً فتنة للناظرين، تبارى الشعراء والكتَّاب في وصفه، وإبراز محاسنه وعدّ أعجوبة من عجائب الدنيا الخمس المعروفة في ذلك الزمان.